الجمعة، 18 مارس 2011

نهضة اليابان .. حلم تحقق


نهضة اليابان
ركزت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجيتها نحو تحويل اليابان إلى قوة كبيرة لمحاربة الشيوعية فى تلك المنطقة عن طريق تقديم نموذج إقتصادي بالغ التطور يشكل مركز تجمع لدول المنطقة , و تشجيع على إختيار النموذج الرأسمالي وليس الشيوعي فى مجال السياسة والثقافة و الحريات , فسار الاقتصاد الياباني منذ عام 1948 ضمن تلك الإستراتيجية . وسرعان ما زادت هذه الإستراتيجية بعد إنفجار الأزمة الكورية .


وتحرر اليابانيون سريعا من عقدة الاحتلال الأجنبي بدءا من عام 1952 , فوظفوا طاقاتهم البشرية العائلة و الموارد الكثيرة المتاحة لهم , لتنشيط الإقتصاد الياباني , وترميم البيئة التحتية المهدمة , و التوسع فى بناء قواعد جديدة و عصرية للانتاج , و توليد فائض يسمج بالتصدير من السلع , ومشاركة فى نقل التكنولوجيا الحديثة واستيعابها وتطويرها . ولعب النمو الاقتصادي السريع الدور الأساسي فى إنجاح الدور الذى قامت به اليابان حتى تحول تخلفها الإقتصادي و السياسي  إلى "معجزة اقتصادية" باتت موضع اهتمام العالم كله.


وكانت هناك عوامل إيجابية عدة تكمن وراء تلك المعجزة ، ساهمت في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي الياباني طوال عقود ثلاثة بدءا من عام 1955. فقد ورثت اليابان قوة عمالة كبيرة على أعلى مستوى , و طاقات بشرية هائلة , و تكنولوجيا جديدة ساعدت فى النمو الإقتصادي . هذا بالإضافة إلى بيروقراطية شديدة التماسك ، شكلت ركيزة أساسية من ركائز النهضة اليابانية الجديدة إلى جانب القوى البشرية المزودة بالعلوم العصرية ، والطاقات الاقتصادية والمالية الكبيرة التي تم توظيفها في الانتاج ، سواء من موارد اليابان نفسها أو من المساعدات والقروض.
ونرى و نعلم جميعا أن نجاح النهضة المعاصرة في اليابان يعود فى شق كبير منه إلى تعاون رأس المال ، و النقابات العمالية ،   والبيروقراطية الإدارية ، ذات الكفاءة العالية ، بالإضافة إلى استقرار النظام السياسي عن طريق الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي حكم اليابان منفرداً طوال النصف الثاني من القرن العشرين. فساهمت تلك العوامل إلى خلق الإستقرار الإجتماعي ، وفي تطوير التنمية الاقتصادية بسرعة نمو عالية جدا .
ولم تكتفى اليابان بإستعادتها لدورها السابق في منطقة جنوب شرق آسيا بل تعدتها إلى الأسواق العالمية . ففي مطلع السبعينات باتت اليابان تحتل موقعاً متقدماً في الاقتصاد العالمي إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الكبرى. حيث أصبحت اليابان عام 1973 في طليعة الدول العالمية في إنتاج الحديد ، والسفن الكبرى ، والالكترونيات ، والآلات العلمية الخاصة بطب العيون. وبعد سنوات قليلة احتلت موقعاً متقدماً على المستوى العالمي في صناعة السيارات ، والجرارات ، والكمبيوتر ، والروبوت وغيرها. ونشرت إحصاءات عالمية تضع اليابان في المرتبة الثانية في العالم ، وتصنفها مباشرة بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ويشير الدكتور ( مسعود ظاهر ) أن اليابان اعتمدت شكلاً من أشكال الرأسمال غير مألوف لدى الغرب يطلقون عليها الرأسمالية اليابانية حيث يقوم هذا النمط على قبول القطاع الخاص بالرقابة الصارمة التي تفرضها عليه الدولة عبر جهاز بيروقراطي عالي الكفاءة تتشكل منه دوائر وزارة التجارة الخارجية والصناعة. وهو جهاز يتمتع برواتب مرتفعة جداً ، ويفضل مصلحة اليابان العليا على أية مصلحة خاصة ، سواء كانت لأفراد أو لشركات أو مؤسسات.
وتعمل اليابان اليوم على إعادة صياغة استراتيجيتها الاقتصادية في عصر العولمة على أساس أن الاقتصاد السلمي سيصبح هو الإهتمام الأول لجميع دول العالم ، وأن النزاعات الموروثة سيتم حلها بالوسائل والأدوات السلمية وعن طريق مؤسسات الأمم المتحدة . وقد برزت اليابان كلاعب ماهر في استخدام السلاح الاقتصادي والتوظيفات المالية لتزيد من نفوذها في عصر العولمة ، وتقيم علاقات وثيقة مع كثير من دول العالم .
ولعل أهم ما تميزت به التجربة اليابانية أنها تبنت الحفاظ على أصالتهم و حضارتهم القديمة والحرص على الإنفتاح على العالم الجديد ، والتوظيف الاقتصادي الكثيف في تربية الإنسان وتشجيع البحث العلمي بحيث يعود ذلك التوظيف بالنفع الاقتصادي الكبير على اقتصاد البلد بأكمله . و الاهتمام الكبير بالتعليم في اليابان حيث ذكرت إحدى الصور أن مدرس كان يدرس لتلاميذ فى العراء بعد شهرين فقط من سقوط القنبلة النووية على اليابان    ...   و هذا الفيديو يوضح تطور اليابان و نهضتها فى التعليم 




و قد أنفقت اليابان ما بوسعها على التعليم حيث قدرت نسبة الانفاق المستمر على التعليم من نسبة الانفاق العام في اليابان بحوالي 11.6 بالمئة سنوياً ، وأعلنت الإدارة اليابانية صراحة أنه بدءاً من عام 2000  

فإن كل شاب ياباني لا يجيد استخدام وظائف الكمبيوتر ، ولا يجيد معها لغة أجنبية واحدة ، سيصنف في خانة الأميين.

ولابد من الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الياباني ( كايفو ) حدد الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية اليابانية في عقد التسعينيات وموقف اليابان من النظام العالمي الجديد. وقد عرفت لاحقاً بالمباديء الستة التالية :
1 - ضمان السلام والأمن في العالم .
2 - واحترام الحريات الأساسية للإنسان .
3 - ودعوة جميع الدول إلى ممارسة الديمقراطية الحقيقية .
4 - وتوفير الرخاء لكل شعوب العالم من خلال تطوير آليات عمل اقتصاد السوق الحر .
5 - وحماية البيئة وعدم التلاعب بها أو تشويهها بحيث يستطيع سكان الكرة الأرضية أن يحيوا فيها حياة إنسانية .
6 - وبناء علاقات دولية مستقرة تقوم على الحوار والتعاون بين الشعوب والدول .

التجربة اليابانية المعاصرة ، دروس وعبر للعرب
اليابان رقى و جمال

كان هاجس المقارنة بين فشل تجربة النهضة العربية ونجاح النهضة اليابانية حاضراً بقوة في فكر المواطن العربي طوال القرن العشرين ، إلا أن الدراسات العربية عن اليابان بقيت تفتقر إلى الحد الأدنى من التوثيق العلمي. وبحسب رأي الدكتور مسعود ظاهر فإن مقالة شارك عيساوي : لماذا اليابان ؟ كانت فاتحة بحث نظري حول مدى استفادة العرب من دروس تجربتي التحديث في اليابان ، فقد انطلقت المقالة من محاولة الإجابة على السؤال الدائم : لماذا نجحت اليابان ، ولماذا فشلت مصر ؟؟! وبالتالي جميع العرب والمسلمين ؟ فقدم الدليل العلمي الملموس على أن مصر كانت في وضع أفضل من اليابان في النصف الأول من القرن التاسع عشر من جهة ، وكانت البلد الوحيد في الدولة العثمانية كلها الذي تمتع بالشروط اللازمة للقيام بعملية تحديث ناجحة من جهة أخرى. .
ويرى الدكتور مسعود ظاهر أن على العرب الإستفادة من تجربة اليابان اليابان منذ نصف قرن على اتباع الحل سلمي في حل مشكلاتها الأمنية والإقليمية العالقة مع الولايات المتحدة التي لازالت تحتفظ بأكثر من أربعين ألف جندي أمريكي على الأراضي وفي المياه الإقليمية اليابانية.
وبعبارة أخرى ، إن دروس اليابان في هذا المجال مفيدة جداً للعرب ، فاعتماد طريق الحل السلمي عن طريق المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة لا يعني أبداً التنازل عن شبر واحد من الأرض الوطنية أو القومية. كما أن الموارد الطبيعية ، والمال ، والتكنولوجيا ، وغيرها تشكل أسلحة فعالة لا تقل أهمية عن سلاح الجيوش ، ويجب استخدامها في سبيل استعادة تلك الأرض ، مهما طال عليها الاحتلال.
ويؤكد الكاتب على نقطة مهمة جداً وهي من الدروس المستفاده من التجربة اليابانية المعاصرة في مجال تطبيق المفهوم الجديد للأمن القومي من حيث الحفاظ على أمن المجتمع بشموليته ، وكامل طبقاته وليس أمن محتكري السلطة السياسية فقط. وقد أستنبط اليابانيون أشكالاً من الحماية الذاتية حولت الغالبية الساحقة من الشعب إلى قوى متعاونة طوعاً مع القوى الأمنية المزودة بأسلحة بسيطة للغاية. وعلى قاعدة "كل مواطن خفير" نجح اليابانيون بحماية مجتمعهم بطرق سلمية بالتعاون فيما بينهم بطريقة حضارية جعلت اليابان أولى الدول المتحضرة من حيث قلة نسبة الجريمة , و التعاطى , و السرقة , و الإعتداء على الممتلكات العامة و الخاصة .

ونشير إلى أن من أخطر سلبيات النظام العربي في هذه المرحلة ، هي التكتلات الإقتصادية والمالية ، فهم يواجهون مؤسسات عصر العولمة العملاقة بقوى مشتته و مبعثرة ، وغياب تام للتنسيق المتكامل فيما بينهم ، وتغليب المصالح القطرية الضيقة على التوجهات العامة في مجال التكامل الإقتصادي ، وهناك بالتأكيد دروس مستفادة للعرب من اليابان التي طورت جميع مؤسساتها لكي تتلاءم مع العولمة والمنظمات الفاعلة في النظام العالمي الجديد. فقد جرى دمج عدد كبير من البنوك ، والمؤسسات التجارية ، والمصانع ، والمنظمات الاعلامية ، والثقافية ، والفنية لكي تستطيع تلك المؤسسات التصدي لسلبيات عصر العولمة وحماية المجتمع الياباني من السقوط تحت رحمة المنظمات المالية والإعلامية الدولية.
وفي مجال البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا فقد دلت الدراسات أن نسبة الانفاق العربي على البحث وتطوير المراكز العلمية إلى الناتج القومي لم تصل إلى أكثر من 0.5 بالمئة في عام 1996 ، وهي نسبة متدنية جداً ولا يمكن قياسها بمستوى إنفاق أي دولة صناعية متقدمة فى هذا المجال . ففي عقد الثمانينات ، كانت الولايات المتحدة توظف سنوياً 135 مليار دولار في البحث العلمي ، اي قرابة 2.9 بالمئة من إجمالي إنتاجها القومي ، مقابل 3 بالمئة من اليابان ،
وفي مجال التنمية البشرية المستدامة يُذكر أن هناك تجارب ناجحة في هذا المجال قامت بها اليابان ، وتتلخص في تنمية الطاقات البشرية والمادية في آن واحد . ولقد قامت خطط التنمية في جميع البلدان العربية على استغلال مكثف للموارد الطبيعية مع إهمال شبه تام للتنمية البشرية المستدامة ، فعطلت طاقات الإنسان العربي الإبداعية بدل تطويرها .
ويختتم الدكتور مسعود ظاهر كتابه بالتساؤل : لماذا تجاهل العرب دروس حركة الحداثة اليابانية واستفاد من الآسيويين؟
ويعيد الكاتب التذكير بمقالة شارل عيساوي : لماذا اليابان ؟ واعتبرها نقطة تحول أساسية في تاريخ البحث العلمي العربي عن النهضة اليابانية . وقد انتهى عيساوي إلى ضرورة إستفادة العرب من تجربة التحديث اليابانية إذا كانوا فعلاً راغبين في كسر طوق التبعية التي كبلهم بها الغرب فأجهض نهضتهم الأولى في القرن التاسع عشر ، وبناء نهضة عربية جديدة تجمع ما بين العلوم العصرية والحفاظ على كل ما هو إيجابي في تراثهم الإنساني على غرار ما فعلت اليابان.
و اليوم نتمنى أن يفيق العرب بعد هذه الثورة الكريمة و أن يجعلها الله خيرا عليهم و إن قطار الرأسمالية فى القرن التاسع عشر قد فات العرب فهناك العديد من القطارات ما زالت باقية يمكن اللحاق بها .


Print Friendly and PDF
إشتــــرك يصــــلك كل جديــــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Hdfna